يشترك المكفوفون، رجالا ونساءً، مع أقرانهم المبصرين في القدرة الكاملة على بناء أُسَر مستقرة وهانئة في ظل حياة اجتماعية صحية متكاملة الأركان، فقد تبدأ الحياة الحقيقية النموذجية لأي إنسان عندما يشعر أن له من الأدوار الاجتماعية ما يدفعه لتحقيق أهدافه والعيش بشكل أفضل وأكثر استقرارا لا سيما شعور الشخص بأنه بصدد تأدية دور كالذي أداه أبواه في تأسيس الأسرة التي ينتمي لها من قبل أن يولد أو أن تدور الأيام ويصير مكلفا بتأدية نفس الدور.
وينظر الناس سواء كانوا مبصرون أو مكفوفون إلى قضية تزويج المكفوفين على أنها مسألة خلافية، فمنهم من يستحسن أن يتزوج الكفيف من مبصرة لكي تعينه على مشاق الحياة وأن تتزوج الكفيفة مبصرا لكي يساعدها في مشوار حياتها، ومنهم من يستحسن زواج المكفوفون من بعضهم البعض لأنهم الأقدر على فهم احتياجات بعضهم وأنهم هم القادرون على تحمل إخفاقاتهما البصرية سواء بسواء.
والحق أقول: لا تخضع مسألة زواج المكفوفون بالمبصرين أو من بعضهم البعض إلى معيار واحد، وعليه فإن الحكم باستحسان زواج المكفوفون من المبصرين أو زواج المكفوفون من بعضهم البعض لن يكونا حُكما قَطعيا ما دامت هناك فروق فردية وقدرات متباينة وأهداف حياتية متنوعة ومختلفة من شخص لآخر. ولن يضع هذا المقال ولا غيره من الأبحاث العلمية تصورا نهائيا لعملية اختيار شريك الحياة إلا أن تتم مناقشة بعض الاستحسانات التي من شأنها مساعدة بعض القراء الكرام على اتخاذ القرار المناسب لحياتهم وإطلاع المنظرين المهتمين بقضايا المكفوفين على زوايا حياتية قد تغير من وجهات نظرهم الحالية.
وتتنوع أمثلة زواج المكفوفين ما بين ثلاثة أنماط رئيسية هي: زواج المكفوفون بالكَفيفات زواج المكفوفون بالمبصرات زواج الكَفيفات بالمبصرين
أولا: زواج المكفوفون بالكَفيفات وهي الأُسر التي تجمع ما بين زوجين كفيفين، ومثل هذه الأسَر يقبل كل من الزوج والزوجة فيها خوض التحدي وتحمل المسئولية، فمن المعروف أن كف بصر الزوجين كليهما يقودهما غالبا إلى الاعتماد الجزئي على طرف ثالث يسهل لهما تأدية بعض المهام ويحد من خصوصيتهما أحيانا إذ ربما تحتاج الزوجة الكفيفة معاونة بصرية لتسهيل بعض مهامها الصعبة مثل تلقين طفلها الدواء، أو اكتشاف كدمة أو جرح بسيط تعرض له الصغير، وربما يحتاج الزوج لمعاونة بصرية أحيانا في قراءة بعض الأوراق المهمة وتصنيفها أو شراء بعض معدات إصلاح الأدوات المنزلية، أو قد يحتاجا إلى معاونة بصرية عند ترتيب وعدّ النقود أو شراء لوازم المنزل من خضروات وفاكهة، وما إلى ذلك.
ثانيا: زواج المكفوفون بالمبصرات وهو أمر متكرر لا ينتج عن حاجة الزوج لمعاونة بصرية فحسب وإنما ينتج عن مودة ورحمة متبادلة بين الزوجين. وعلى الرغم من ظاهر هذه الزيجة التي يبدو فيها الزوج متلقيا للمساعدة والزوجة على أنها مضحية، إلا أن كلا الزوجين لا يكاد يأبه بنظرة المجتمع، فقد يتزوجا بدافع الحب أو المصلحة أو غير ذلك كأي زوجين. ولكن العقبة تبقى في طريقهما تحتاج لمن يصارع لتخطيها، وهي عقبة فهم الآخر، فلن تشعر الزوجة المبصرة بزوجها الكفيف وحاجته للنظام والهدوء بقدر ما توفره له زوجة كفيفة، وقد لا يستطيع الزوج الكفيف أن يدرك بعض الأمور التي تحتاج لمعرفة بصرية مثل قيادة السيارة الخاصة، وهنا تتحمل الزوجة المبصرة عبء القيادة بدلا منه، وهكذا.
ثالثا: زواج الكَفيفات بالمبصرين وهي الزيجات التي تكون فيها الزوجة كفيفة والزوج مبصرا. وعلى قلة كم هذه الزيجات إلا أنها ناجحة إلى حد كبير لأنها كسابقتها تبدو غير متكافئة وإن كانت مبنية على الود والتراحم، ومع ذلك فقد يحتاج الزوج من زوجته بعض الأمور فلا يجدها قادرة على أدائها كمثل المحافظة على تلقين الصغار الدواء، وقد تنتظر منه الزوجة رعايتها بعدم إشاعة الفوضى في البيت لأن ذلك يصعب عليها مهمة ترتيبه مرة أخرى، ولهذا فيجب على كلا الزوجين مراعاة قدرات بعضهما البعض عند اختيار شريك الحياة.
ولا يحسم الأمر اختيار زوج لزوجته أو زوجة لزوجها بمواصفات بدنية معينة، فقد يتغير الحال ويتبدل بعد الزواج، إذ ربما يصاب أحدهما أو كلاهما بمرض بصري أو إعاقة بصرية نتيجة مرض ما أو حادثة ما أو بغير هذا ولا ذاك، ولهذا يجب على جميع الأزواج تهيئة أنفسهم بشكل أو بآخر للعيش في ظل المودة والرحمة، وعدم الاكتفاء بأداء الأدوار الاجتماعية المتوقعة منهم، بل تحمل المزيد من الأدوار لشريك الحياة مما يسهل على كل منهما مشاق الحياة ومصاعبها.
ساحة النقاش