مما لا شك فيه أن الأطباء أو دارسي الطب هم الفئة الأولى القادرة على الوقوف على تعريف لمصطلح المرض البصري والتفريق بين الأمراض التي تصيب النظر وبين الإعاقة التي يولد الإنسان بها وتظل معه أو تتطور لتصبح إعاقة أو فاقدي البصر بسبب عمليات حربية أو ما إلى ذلك. إلا أن أطباء العيون لا يكادون ينظرون إلى هذا الفرق بين المصطلحين فمنهم من يدرك الإعاقة البصرية على أنها مرض ومنهم من ينظر إلى بعض أمراض العيون على أنها إعاقة لاختلاط المعنى بين المفهومين اصطلاحا. وفي هذا المضمار يعاني المرضى والمكفوفون والأطباء لسوء الفهم القائم بينهم في معرفة الفرق بين المرض البصري والإعاقة البصرية.

أما عن المرض البصري فهو عبارة عن إصابة تحدث للشخص في عينه أو عينيه نتيجة لعدوَى أو إرهاق في النظر أو حادث نتج عنه تهتك أو تهشم في أي جزء من الأجزاء المكونة للعين أو انتقل له هذا المرض وراثة من أحد أقربائه، والمرض البصري ممكن أن تتم معالجته وممكن أن يكون سببا في إعاقة بصرية أما الإعاقة البصرية فهي قصور أو إخفاق العين، أو أي من مكوناتها، في إدراك الأشياء عن طريق الرؤية المباشرة، والإعاقة يولد بها الإنسان أو تكون نتيجة لمرض بصري مزمن لا يمكن علاجه. ومن أهم المعايير التي يقاس بها الفرق بين المرض البصري والإعاقة البصرية أن المرض البصري يمكن علاجه أو تحسين أداء العين على رغم ملازمته لصاحبه، أما الإعاقة البصرية فهي، في الغالب، ثابتة لا تقبل العلاج وربما تأتي على ما بقي من بصر لصاحبها.

والعين البشرية ما بين الجسم الزجاجي والقرنية والشبكية والعصب البصري تمثل ركيزة أساسية في حياة أي فرد سوِي بَدنيا فهي من أهم الأدوات التي تساعد على الإدراك الكلي للأشياء من خلال رؤية مباشرة، وإليكم بعض أمثلة الفرق ما بين الإدراك الكلي والإدراك الجزئي للأشياء: فالسامع لصوت زئير الأسد ربما لا يتخيل حجمه أو دقائق صفاته البدنية، ولأن السامع لصوت زئير الأسد لا يمكنه لمسه أو الإمساك به والتدقيق في ثنايا جسده فإنه يستخدم الإغلاق النفسي في رسم صورة من وحي الخيال للأسد ربما تتوافق والصورة الحقيقية الموجودة في الطبيعة أو تخالفها. وهذا مثال آخر أسوقه إليكم لكي ندرك الفرق بين الإدراك الكلي والجزئي للأشياء، فهذه منضدة صغيرة عليها جهاز حاسب شخصي: إذا وضع الكفيف يده عليها من أحد أطرافها لتبين أنها منضدة كالتي يأكل عليها الطعام أو يستذكر عليها دروسه إلا أنه بعد أن قام بفحصها بيده جزء جزء أدرك أنها منضدة خاصة بحاسب شخصي موجود عليها! وعلى الجانب الآخر شخص سوي بصريا يرى المنضدة من بعيد ويرى أن عليها حاسب شخصي لا قبل له بفحصها ولمسها بل أدركها بالكلية منذ وقع بصره عليها على أنها منضدة وعليها حاسب شخصي. وعلى ذلك فإن البصر يعين على الإدراك الكلي للصور والأشياء المحيطة بخلاف اللمس.

والعين البشرية لها حدود في الرؤية فهي لا تدرك الأشياء الموجودة خارج إطار الحجرة مثل الأذن التي تسمع المارة في الشارع فالعين لا ترى القلب ولكن الأذن تسمعه، والعين لا تدرك حرارة الجسم وإنما يدركها اللمس، والعين لا يمكنها إدراك مذاق شيئ نأكله وإنما اللسان يدرك حلاوة أو مرارة المأكولات. كما أن هناك فروق فردية في رؤية الأشياء فمن الناظرين من لا يمكنه رؤية الأشياء الدقيقة والمتناهية في الصغر، ومنهم من لا يرى النجوم البعيدة، ومنهم من لا يكاد يرى إلا الضوء، ومنهم من لا يرى إلا الخيال الناتج عن سقوط الضوء على الأشياء، والناس في درجات بصرهم يتعددون ويختلفون، لهذا رصد الأطباء ظواهر اختلاف إدراك العين ووضعوا المقاييس التي يحكمون بها على الرائي في قدرته على الإبصار والمنطقة التي يمكن لعينه الوصول لإدراكها.

ولما كانت الكتابة والقراءة تحتاج إلى البصر في الإدراك ظن جل الأسوياء بصريا أن فاقدي البصر جهلاء أو أغبياء ولم ينتبهوا لقدراتهم الهائلة والبارعة في حفظ المسموع واستبدال المطبوع من العلم بالتلقي على يد أستاذ أو مرشد أو قارئ ومرافق، وظهرت لنا طرق جديدة في الكتابة للمكفوفين أو فاقدي البصر مثل طريقة برايل التي تستخدم الخط البارز في تدوين البيانات والمعلومات وبالتالي إمكانية استرجاعها، وكذلك الكتابة الألكترونية باستخدام الحاسبات الآلية التي أضحت حديث معظم أهل الأرض من البشر. فمع وجود قارئ ألكتروني لشاشة الحاسب بأغلب لغاتنا الطبيعية صار الكفيف يستخدم الحاسب بمهارة فائقة وصار الحاسب بالنسبة له نافذة يفتحها متى يريد وبالطريقة التي يريد، ولهذا السبب اعتبر أطباء العيون البرامج القارئة للشاشة أحد الوسائل المعينة على التكيف مع المجتمع ويصفونها للكفيف أو فاقد البصر على أنها أداة يستخدمها مثلها في ذلك مثل النظارة أو الدهان أو أي علاج يصفه في روشيتته الطبية.

إن معرفة الفرق بين المرض البصري والإعاقة يساعد الطبيب المعالج على إرشاد المريض أو الكفيف إلى أفضل طرق العلاج التي ربما تكون عصا يستخدمها في مشيه في الشارع أو ساعة ناطقة يعرف بها الوقت أو محمول يصف له ألوان ملابسه أو حاسب يطالع به الجرائد، فالعلاج ليس دائما بالكمياء أو بالأعشاب وإنما يمكن أن يكون العلاج كالذي ذكرت لكم، وحري بالطبيب ألا يهمل من كان كفيفا بدعوى أن لا أمل في أن يرد إليه بصره ولكن يجب على الطبيب أن يدرك أن إدراكه هو المفتاح السحري الذي يساعد الكفيف على تقبل إعاقته ولزوم السواء النفسي بدلا من الانحراف أو التردي، كما يجب عليه أيضا الإحاطة بآخر ما توصل إليه رواد التكنولوجيا في العالم لخلق وسائل تعويضية أو تكميلية لتوظيف طاقات الأكفاء حول العالم وتنمية قدراتهم واستغلال إنتاجيتهم.

نشَرها لكم: وائل زكريا

  • Currently 155/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
51 تصويتات / 1049 مشاهدة
نشرت فى 9 أغسطس 2009 بواسطة blindplus

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

935,937