آن سوليفان في رحلة تعليم هيلين
فقدت آن سوليفان بصرها وهي في الخامسة من عمرها. وحين بلغت العاشرة، توفيت والدتها كما تخلى والدها عن تربيتها، مما أدى بها إلى الإقامة في أحد الملاجئ برفقة أخيها جيمي في فبراير 1876. وبعد أن توفي جيمي في الملجأ، تركت آن ذلك المكان في أكتوبر 1880 لتبدأ مشوارها مع التعليم في معهد بيركنز لفاقدي البصر. وفي صيف إحدى السنوات أثناء دراستها بالمعهد أجرت آن سوليفان عمليتين جراحيتين في عينيها مما أدى إلى استعادتها جزءاً من قدرتها على الإبصار يمكنها من قراءة الخط العادي لفترات قصيرة. وفي عام 1886 تخرجت آن من معهد بيركنز لتبدأ رحلتها في البحث عن عمل حيث كان من العسير عليها العثور على فرصة عمل مناسبة في ظل ضعف نظرها. وحينما تلقت عرض مايكيل اناجنوز للعمل كمعلمة للطفلة البكماء الصماء والكفيفة هيلين كيلار قبلت بترحاب شديد على الرغم من أن خبرتها معدومة في هذا المجال. آن تلتقي بهيلين في الثالث من شهر مارس سنة 1887، وصلت آن سوليفان إلى منزل عائلة هيلين كيلار في سكونبيا لتلتقي لأول مرة بتلميذتها هيلين. وعلى الفور شرعت آن في تعليم هيلين تهجي الكلمات باستخدام الأصابع. وكانت أول كلمة علمتها لها هي كلمة دمية للإشارة إلى هدية أحضرتها لها. وبعد ذلك علمتها كلمة كعك. وعلى الرغم من أن هيلين كانت قادرة على تهجي هذه الكلمات بتحريك أصابعها إلا أنها لم تكن في البداية تستوعب ما تشير إليه هذه الحركات. وبينما كانت آن تبذل قصارى جهدها في محاولة الوصول إلى عقل هيلين عن طريق حاسة اللمس فقد كانت كذلك تحاول جاهدة كبح جماح سلوكها المضطرب وهو ما جعلها تنتقل برفقة هيلين إلى بيت صغير منفصل في حديقة المنزل. وعلى وجه الخصوص، كانت آن تحاول ضبط سلوك هيلين على مائدة الطعام، فقد كانت هيلين تأكل بيديها ومن أطباق كل من هم على المائدة. لم تأتِ المحاولات التي قامت بها آن لتعليم هيلين آداب المائدة وتصفيف شعرها وربط حذاءها بنفسها ثمارها في البداية، بل أدت إلى زيادة نوبات الغضب لدى هيلين. وكانت آن ترفض التحدث إلى هيلين ومخاطبتها عن طريق اللمس كعقوبة لها كلما تزايدت حدة ثورتها. وفي خلال عدة أسابيع أخذ سلوك هيلين في التحسن كنتيجة لتوطُّد العلاقة بينها وبين معلمتها. وحتى ذلك الحين، لم تكن هيلين تعي معاني الكلمات بشكل جيد، ولكن حينما اقتادتها آن إلى إحدى مضخات المياه في الخامس من إبريل سنة 1887 تحول كل شيء تحولاً جذرياً وحدث ما أسماه الناس في هذا الوقت بالمعجزة. فقد قامت آن بسكب الماء على إحدى يدي هيلين وتهجي كلمة "ماء" على يدها الأخرى ومن ثم بدأت هيلين في استيعاب معنى الكلمة، وهو الأمر الذي لاحظته آن على وجهها. وتروي هيلين ذاتها ما حدث لها في هذا الشأن فتقول: "كنا نسير في الممر المؤدي إلى الينبوع يجذبنا العطر الساحر المنبعث من الأزهار الرائعة والذي كان يملأ الجو بعبقه، وكان أحد الأشخاص يسكب الماء فوضعت معلمتي إحدى يدي في مرمى انبثاقه. وبينما كان الماء ينساب رقراقاً بارداً على يدي, أخذت هي يدي الأخرى لتتهجى عليها كلمة "ماء" ببطء ثم أسرع فأسرع. مكثتُ ساكنةً لا أتحرك إذ أنَّ انتباهي كان مركزاً تماما مع حركات أصابعها. وفجأة، أحسست باستفاقة أو تنبه غامض كأني تذكرت شيئا منسياً، لقد بدأ الغموض الذي يعتري اللغة يتلاشى لدي إلى حد ما".
وعلى الفور، طلبت هيلين من معلمتها آن أن تتهجّى لها كلمة "مضخة" كما سألت عن معنى "حوض الزهور". وخلال طريق عودتهما من الحديقة، كانت هيلين تسأل عن معنى كل شيء تلمسه يدها كما سألت آن عن اسمها فتهجت لها كلمة "معلمة". وفي خلال ساعات بعد هذا الحدث، كانت هيلين قد تعلمت ما يربو على ثلاثين كلمة. ومن هذه اللحظة فصاعدا، أصبحت مقدرة هيلين على التعلم مذهلة، إذ أن أحداً لم يسبق له أن رأى شخصا في مثل ظروفها يتعلم بهذه السرعة الفائقة حيث لم يمضِ طويل وقت حتى كانت آن قد علمت هيلين القراءة أولا بالحروف المجسمة البارزة ثم القراءة بطريقة برايل بعد ذلك، كما علمتها الكتابة باستخدام كل من الآلة الكاتبة بالخط العادي والآلة الكاتبة بطريقة برايل. كان نتيجة لهذا التطور المذهل في حياة هيلين كيلار أن دأب مايكل اناجنوز مدير معهد بيركنز لفاقدي البصر على الرفع من شأنها في العديد من المقالات التي كتبها حتى إنه أسماها بالظاهرة الفريدة من نوعها. وقد أسهمت مقالاته في ازدياد شعبية هيلين فأخذت الصحف القومية تنشر صوراً لها وهي تقرأ للكاتب الإنجليزي ويليام شكسبير وصوراً أخرى وهي تلعب مع كلبها. ولم تقف شهرتها عند هذا الحد، فبالإضافة إلى زياراتها المتكررة للعالم الكبير جرهام بيل فقد زارت أيضاً الرئيس الأمريكي جروفر كليفلاند نفسه في البيت الأبيض. كانت هيلين كيلار تتلقى تعليمها على يد آن في معهد بيركنز لفاقدي البصر، وفي شهر مارس من عام 1890، التقت هيلين ماري سويفت لامسون التي كان عليها محاولة القيام بتعليم هيلين الكلام خلال العام المقبل من حياتها وهو الأمر الذي كانت هيلين تصبو إليه بشدة. وعلى الرغم من نجاح هيلين في فهم بعض ما يقولوه الآخرون عن طريق لمس حناجرهم وشفاههم، إلا أن محاولتها الكلام باءت بالفشل في هذه الفترة، ويرجع سبب ذلك إلى أن الأحبال الصوتية لدى هيلين لم تكن مدربة من قبل بالشكل المطلوب لتمكنها من الكلام.
نشَرها لكم: وائل زكريا
ساحة النقاش