تعرفت على شاب في التاسعة والعشرين من عمره متزوج وعنده أولاد وقد أصيب هذا الشاب بفقد بصره منذ عام وهو سجين البيت منذ أن أصيب بهذا الابتلاء، ولذا سميته سجين الظلام.
بدأ هذا الشاب كلامه بالحديث عن نفسه وعن صحته وعن حيويته التي كانت تملأ حياته قبل إبتلائه بهذا الابتلاء وكان يقول: "كنت أذهب وأعود، وأخرج وأرجع، وألتقي بالاصدقاء والاقارب والجيران والمعارف إلى أن أصبت بهذا البلاء فأمسيت وحيدا سجينا في ظلامي معزولاً عن العالم" قال الشيخ: لماذا أخي الحبيب؟ قال سجين الظلام: كيف أواجه الناس؟ وكيف أُخبرهم بأنني أصبحت من المكفوفين؟ إن عيناي من الخارج لا يظهر عليهما أنني فاقد البصر! كيف لو ناداني أحدهم ظناً منه أنني أرى؟ ماذا أفعل لو مد أحدهم إليّ يده مصافحاً إيايا ظناً منه أنني أرى؟ وإذا عرفو أنني فقدت بصري فكيف أواجه أسئلتهم؟ وكيف أواجه إظهارهم الأَسَى والألم؟ وكيف أواجه إحساسي بنظرات الشفقة في عيون الناس؟ وكيف أواجه إحساسي بنظراتهم إليّ وأنا منقاد بيد زوجتي أو منقاد بيد أحد الاصدقاء؟ فقررت الهروب من مشكلتي، قررت أن أسجن نفسي داخل مشكلتي وداخل ظلامي وداخل بيتي، قررت ألا أذهب إلى العمل، قررت أن أقاطع الناس، قررت أن أقاطع الاقارب والمعارف والجيران، وإذا ما دعتني الحاجه للخروج أخرج ممسك بيد زوجتي وكأنني أرى حتى لا يعلم الناس بالذي أصابني" قال الشيخ" ولماذا كل هذا أخي الحبيب، فهذا البلاء ليس نهاية العالم وليس نهاية الحياة بالنسبة لك، فإنك لم تصب بشُبهة أو عار أو فضيحة تستحي منها، وإنما هذا ابتلاء إبتلاك به الله إذ اختارك الله أنت من بين الناس كي يبتليك بهذا البلاء، وقضاء الله خير، قال تعالى: وعسى أن تَكرهوا شيئا وهو خيرٌ لكم، وعسى أن تحبوا شيئا وهو شَرٌّ لكم، والله يعلمُ وأنتم لا تعلمون ربما يكون في هذا الابتلاء خير كبير لك، ربما يكون في هذا الابتلاء فضل كبير لك من الله، واعلم أخي الحبيب أنه لو أن هناك كفيف واحد عنده هدف نبيل أو عنده قضية حق يحاول تحقيقها خيرٌ من آلاف المبصرين الذين يعيشون في هذه الدنيا بلا هدف، ثق أخي في قدراتك وفي ملكاتك وفي مواهبك التي أعطاك الله إياها ولا تفكر في الناس ولا تكن أفعالك ردود أفعال لأقوال الناس أو نظراتهم أو تسائلاتهم ، لتكن مبادرتك بأن تشتري عصا بيضاء وسيكون في هذه العصا إجابة صامتة على كل أسئلة الناس التي طرحتها وبالتالي الخروج من هذه الحالة، ثق في نفسك وتوكل على الله وابدأ حياتك الجديده التي اختارها الله لك، وصمم على النجاح والرضا بما قَسم الله لك لتكون أغنى الناس، واستبدل نظرات العطف من عيون الناس بنظرات القدوه والتعلم، وكن مَثلاً يُحتذى به في الرضا والشكر والجد والاجتهاد، اضرب مثالاً في النجاح والاعتزاز بالنفس وبالقدرات والاهداف النبيلة، والله الهادي إلى سواء السبيل.
نشَرها لكم: وائل زكريا
ساحة النقاش