هل تتمتع بثقة في نفسك؟ وماذا تعني الثقة بالنفس؟ وهل هي صفة وراثية تنتقل من الأب إلى الابن أو من الأم إلى الابنة وهكذا؟ أم هي صفة مكتسبة تنتج عن مجموعة من الظروف الشخصية والنفسية والبيؤية والتربوية؟
إن الثقة بالنفس ليست سمة دائمة في شخصية البشر، وليست سمة ثابتة عند صاحبها، وإنما هي حالة الثبات النفسي والاستقرار السلوكي الذي نبدو به في موقف بعينه، فقد يزداد الشعور بالثقة في النفس عند إحراز تقدم ما في الحياة أو النجاح في مهمة معينة، فتزداد ثقة الطالب بنفسه عندما يحصل على مجموع درجات دراسية يميزه عن زملائه، وتزداد ثقة ربة البيت عندما تنجح في إعداد وجبة شهية أو تنسيق مقتنياتها بشكل مناسب أكثر من غيرها من السيدات، وتزداد ثقة الطفل بنفسه عندما ينجح في حل الفوازير، وهكذا. وعلى العكس من ذلك، فإن ثقة المرء بنفسه تَتأرجَح في مواقف أخرى خلافية أو محرجة، فالطالب النابه الذي يثق بنفسه دراسيا قد تقل ثقته بنفسه عند خوض تجربة قيادة السيارة، وربة البيت المهرة قد تصاب بقلة الثقة عندما تحضر حفل تخرج ولدها لأنها لم تتعود على المشاركة في احتفالات كبيرة كهذه، والطفل الذكي الذي نجح في حل الفوازير وتغلب عليها قد تهتز ثقته بنفسه عندما يسقط كوب اللبن من يده على ملابسه. لذلك فإن الثقة سمة ديناميكية تتغير حسب المواقف المختلفة وحسب الحالة المزاجية والنفسية لكل فرد على حدى.
ومع ذلك، يتفق أهل الخبرة على أن الثقة بالنفس هي التخلي عن القلق والتحلي بالثبات، إذ يصاب الإنسان بالقلق عندما يترك العنان لخوفه ويدخِل نفسه في دوامة من التساؤلات التي غالبا ما تبدأ ب"ماذا لو ...؟" فيدور الشخص في حلقة مفرغة من التساؤلات التي يعجز في أغلب الأحيان عن إيجاد ردود مقنعة وإجابات وافية عنها، مما يودي به إلى حالة من التردد واهتزاز الثقة بالنفس فينتهي به الأمر إلى الإحجام التام عن أداء دوره والفقدان الكامل للثقة بنفسه. فالتفكير في أهوال عبور الطريق جراء السيارات المتطايرة والتفكير في بلوعات الصرف الصحي المكشوفة والتفكير في تناثر عواميد الإنارة بشكل غير منظم على الأرصفة يصيب الكفيف بإعصار ذهني غير هين لن تؤدي جدواه إلا إلى الامتناع عن الخروج من المنزل، ويشعر الإنسان بالهمة وبالثبات عندما يدعْ التساؤلات والترتيبات المسبقة جانبا ولا يبالغ في الاجتهاد لإيجاد كافة الحلول البديلة لما يواجهه من عراقيل، ومثال ذلك أن يتوكل الكفيف على خالقه وألا يبالغ في الإجابة عن كل الاستفسارات التي ترد لذهنه عند الخروج للشارع، وأن يجيب عن الأسئلة التالية لتساعده على الخروج بلا تردد ولا هلع!:
- هل هذه هي المرة الأولى التي أخرج فيها للشارع بمفردي؟
- ألم يسبقني كفيف في الخروج للشارع؟
ثم ليقرر على الفور أن يخرج وكله إيمان بأن وجود أناس في الشارع قد يساعده أحدهم خير له، وأن خلو الشارع من المارة يساعده على اكتشاف الشارع بنفسه من غير نظرات الاستغراب من الناس المحيطين به. وبهذا يكون قد تخلى عن القلق وطرحه جانبا وتحلى بالثبات وتمسك به، فيزداد منسوب ثقته بنفسه ويخرج للشارع مؤديا ما عليه تاركا الكسل والتخاذل وهاجرا للإحجام عن ممارسة دوره الاجتماعي بصورة صحيحة.
نشَرها لكم: وائل زكريا
ساحة النقاش