حاولت مرارًا وتكرارًا أن أفسر لهفة الناس على إحضار كرسي لي أينما وجدت، فعندما أذهب للتسوق أو شراء مستلزمات البيت يستهل البائع أو صاحب المحل كلامه إلي بقوله: "تفضل أقعد" وإن لم يكن هناك كرسي أو مقعد قريب يصرخ على الفور في صبي المحل ويقول له: "هات كرسي بسرعة للشيخ". ولكم تمزقت إربًا عندما يوجه البائع الكلام للمرافق الذي يصطحبني لداخل المحل: "أجلسه هنا وتعالى معي" لكي يطلعه على البضائع والمنتجات التي يبغي بيعها! يا له من أحمق أو على أحسن تقدير ساذج. أعرف أنني كفيفا، ولهذا حاولت تفسير سلوك الباعة معي على هذا النحو، وحاولت تفسير أصحاب المحال، وموظفو المؤسسات الحكومية وأصحاب الشركات الخاصة وكثير من طوائف المجتمع على اختلاف ثقافاتهم، فالغريب أن الكل يكرر نفس السلوك الساذج بأن يطلب لي كرسيا أو يستجلسني أو أي شيء من هذا القبيل، فلما كان المحل مزدحما فسرت ذلك على أن القائل يود تكريمي وإبعادي عن الزحام، ولما كرر هذا السلوك مدير إحدى الشركات الخاصة تصورت أنه يوقرني، ولما قالها لي بائع الفاكهة ظننت أنه يريد أن يقيني حرارة الشمس، ولكنني أعرف أن كلها تبريرات واهية لا قبل لها بواقع الأمر، فالحقيقة أن الناس اجتمعوا على أن أجلس وإن كان مرافقي أولى أحيانا بالجلوس، ولكن الأمر لا يتعلق بتوقير ولا تكريم ولا راحة، بل الأمر كله مبهم لم أعرف له سببًا حقيقيًا حتى الآن.
قد يكون تصرفا صحيحا أن يبدَّى الكفيف في الجلوس عند وجود خدمة استقبال الناس مثل عيادات الأطباء أو مقاعد الأتوبيسات لأن ذلك قد يجنبهم حرج الوقوف في مكان غير مناسب مما يجعلهم سخرية الجالسين، ولكن التوسع في إجلاس كل من لا يرى بعينه صار أمرا عجيبا، لكأن الناس يظنون بأنه معاق جسديا!
قد يظن البعض بأن هذا التصرف ينبع عن تعاطف جم تجاه المكفوفين من قبل المجتمع الإنساني المحترم، ولكن إن كان الأمر كذلك فلماذا لم يتعاطف معي مدير الشركة ويقتنع بأنني في حاجة للعمل كما حاولت إقناعه بمهاراتي وقدراتي؟ لماذا يحاول التجار بيع البضائع الفاسدة والتغرير بمثلي من المكفوفين إن لم نتمكن من كشفه في الوقت المناسب؟ لماذا لا يأبه بي الناس بينما أكون في حاجة لعبور الطريق؟ أهذا دليل تعاطف؟ أم دليل تخاذل؟ لماذا يمنحنا الناس ما يبغون ولا يمنحوننا ما نحتاج؟
كتبه لكم: وائل زكريا
ساحة النقاش