يعد سير الكفيف في الشارع من أكبر التحديات التي يواجهها أي كفيف مستقل بذاته ومعتمد على نفسه. فيمثل تحديد مكان الرصيف تحديا ويمثل الحفاظ على الاتجاه تحديا ويمثل الحفاظ على عدم الانحراف إلى نهر الطريق تحديا ويمثل السير على الرصيف الذي لا يخلو من عمود أو حوض زينة أو شجرة أو بالوعة مفتوحة أو حجارة عشوائية تحديا هائلا ويمثل عبور الشارع تحديا ويمثل تحديد مكان موقف السيارات أو محطة الحافلات العامة تحديا ويمثل التعرف على رقم الأتوبيس تحديا ويمثل اختيار مكان ظليل في شمس الصيف تحديا ويمثل اختيار مكان مغطى في أثناء أمطار الشتاء تحديا ويمثل تفادي القاذورات والقمامة الملقاة في الطرقات تحديا ... إلخ. فلا تتصور أن العصا البيضاء عصاة سحرية أو أن الكفيف شخص عملاق لن ينكسر إن ارتطم بحجر أو إن اصطدم بسيارة واقفة بجانب الرصيف!
لن يشعر الكفيف بالامتنان لك لسلوكك مسلكا حسنا تجاهه بقدر شعوره بعرفان الجميل عندما تقدم له يد المساعدة في الشارع، فالشارع هو أخطر مكان يتحرك فيه المكفوفين ولا يمكنهم التواني عن النزول إليه للذهاب لأعمالهم وقضاء حوائجهم كبقية الخلق، فلا تحقرن من المعروف شيئا عندما تقابل الكفيف في الشارع، فكلمة منك قد تنقذ حياته عندما ينحرف إلى نهر الطريق وتبلغه بأن يتجه إلى جانب الرصيف ثانية، ولا تحسبن الكفيف بطيئ في مشيته لعلة في قدميه بل أنه يتباطأ خوفا من الارتطام بشجرة أو السقوط في بالوعة صرف صحي مفتوحة، ويتباطأ كذلك ليقلل حجم الخسائر التي قد تقع عند اصطدامه بأحد المارة في الطرقات، ويتباطأ أيضا طمعا في البحث عن مساعدة المحيطين، وما إلى ذلك، وعلى ذلك لا تتجاهله إن كنت في عجلة من أمرك بل اقترب منه وقدم له يد المساعدة بأن تصحبه في طريقك إن كان طريقكما واحدا وإن كان لديك متسع من الوقت واختلف الطريق بينكما فتطوع بإيصاله للمكان الذي يريد أو على الأقل عين من المارة من يقوم بذلك على ألا تستوقف الناس بصوت عال أو بالإجبار بل انتقي منهم من يظهر في سمته ذوق البشر ولياقة الخلق واطلب منه اصطحاب صديقك معه وإن لم يكن الكفيف صديقك (رفعا للحرج).
لن تنتهي مساعدتك للكفيف في الشارع عند اصطحابه في الطرقات وإيصاله للمكان الذي يريد، فعبور الطريق تحدي قاسي على كل الناس فما بالك بالكفيف؟ وإياك أن تعبر به إلى منتصف الطريق وتقف على الرصيف الذي يشق الشارع من منتصفه ثم تتركه لأي سبب أيا كان، فإنك بذلك تعرض حياته للخطر ونفسيته للدمار. فماذا لو أنك اقتربت من الكفيف عندما تقابله على محطة الأتوبيس وعكفت على قراءة أرقام الأتوبيسات له إلى أن يجد من هذه الأرقام ما يناسبه بنفسه؟ وماذا لو عرضت عليه أن تقرأ له لافتات الأتوبيسات فقد يحتاج ذلك أحيانا.
يتعرض المكفوفون لمواقف شتى بدأً من الخروج من باب البيت إلى أن يعودوا إلى منازلهم، وغالبا ما تثقل هذه المواقف خبراتهم الحياتية، ومع ذلك فإن السلوك الذي يسلكه الناس تجاه المكفوفين له أثر جد خطير على الحالة النفسية والمزاجية للكفيف، فلا تتردد في إطرائه ومدحه إن وفقه الله إلى عمل صائب ولا تعنفه وتلومه إن سلك مسلكا خاطئا فقد يكون ذلك رغما عنه وإن قام به طواعية في ظاهر الأمر. وهكذا تبقى التحديات أمام المكفوفين يتخطونها ويكسرونها أحيانا ويقفون أمامها عاجزين في انتظار مساعدة الغير في الأحيان الأخرى، فلا تتردد في أن تتعامل مع الكفيف بصورة تليق به وبخلقك.
كتبه لكم: وائل زكريا
ساحة النقاش