لم تعد المقاهي مأوى لأصحاب الحرف والمهن أو الغرباء أو سماسرة العقارات، ولم تعد قاصرة على تقديم المشروبات الساخنة، ولم تعد المقاهي تنتشر في المناطق الشعبية في العواصم العربية كما كان الحال منذ فترات زمنية ليست بالبعيدة، بل صارت المقاهي مأوى للشباب ومنفذا لاحتثاء كوب من الشاي أو العنّاب أو اليانسون للمارة، ولا يقف دور المقاهِي عند هذا الحد بل تعداه لمشاهدة مباريات كرة القدم في جماعة كالتي يجتمع لها كبار القوم للبت في أمور البلاد والعباد، وصار المقهى مزودا بتلفاز كبير الحجم ومستقبل الأقمار الصناعية العملاق على أن المقهى يميزه عن غيره من المقاهي كم القنوات المدفوعة التي يشترك فيها أصحاب المقاهِي، وتباع من خلال المقاهِي العديد من السلع مثل الملابس والخردوات وأدوات الصناعات الخفيفة مثل المطارق والمفكات وغيرها.

ومع ذلك، لم يعد مفهوم المقهى مجرد مكان للتسلية واللهو بالنسبة لشرائح اجتماعية متواضعة، بل صار مأوى لخريجي الكليات الذين يعانون البطالة ويشكون الفراغ، وعندما نذكر البطالة بين الشباب لا بد وأن نفكر في واحدة من شرائح الشباب التي قد يغفل عن ذكرها الكثير من الناس، ألا وهي طائفة المكفوفون. فقد نجح المكفوفون بعد تفوقهم وتخرجهم في الكليات المختلفة من كليات الجامعات المصرية والعربية في الاستيلاء على مقاهِي بعينها وتسخير أغلب عمالها لخدمتهم ودعوة شباب المكفوفين للقاء بعضهم البعض هناك، ولم يأتي هذا من فراغ وإنما يعكس لنا نحت المكفوفين في الصخر من أجل توفير الجو الملائم لسعادتهم وانبساطهم، فليس من المعقول أن تتسبب المقاهِي التي هي سبب التسلية والمتعة في إيذائهم نفسيا وبدنيا، ألم يكفي أنها تؤذيهم اقتصاديا؟

تتمثل احتياجات المكفوفين المترددين على المقاهِي في أمور بسيطة قد لا يدركها الجرسون ولا حتى القَهوَجي، فالمكفوفون يحلمون بألا تنسكب السوائل من أكوابهم، الأمر الذي يلزم خادمهم بعدم ملئ الكوب عن آخره بل ترك مساحة فارغة تسمح باهتزاز الكوب من غير سكب للمشروب منه على ملابس الزبون أو على المنضدة المخصصة لتقديم المشروبات، ولا تخلو آمال المكفوفين من استقبال العامل بالمقهى لهم عند وصولهم بالقرب من المقهى واختيار المكان الذي يحبونه والبحث عن الأصدقاء المقربين بعينه ثم إرشاده لهم. وليس استقبال العامل بالمقهى للكفيف أمرا من قبيل الرفاهية أو من قبيل التوقير بين الناس، وإنما تقاة لاصطدامه بالمناضد المرتصة وعليها أكواب المشروبات وتقاة للاصطدام بنار الشيش القابعة إلى جوار المناضد المرصوصة وإلا ربما يتسبب ذلك في احتراق ملابسه أو جسده بنارها.

فعندما تقابل كفيفا في أي مقهى فاعلم أنه قد لا يتمكن من الانصراف عن كرسيه إلا إن ساعده أحد، وقد لا يستطيع استدعاء الجرسون بالإشارة ولا يمكنه الذهاب لدورة المياه إلا بعد حضور أي من خاصته أو رفاقه المبصرين، فكن دائما بالقرب منه إن كنت تريد مساعدته، وراقب تحركاته فإن قام فاذهب إليه عسى أن يريد الانصراف أو الخروج من بين المناضد، وإن أشار بيده بشكل عشوائي فاعلم أنه يريد المساعدة، وإن انسكب المشروب أو سقط الكوب من على المنضدة فاعلم أنه يحتاج من يعاونه في هذا الموقف أو على الأقل يسهل عليه الأمر ويشاركه الموقف الذي قد يبدو محرجا، واعلم أن للكفيف كامل الحق في التواجد في المقاهِي مثله في ذلك مثل أي جالس آخر.

كتبه لكم: وائل زكريا

  • Currently 281/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
93 تصويتات / 1520 مشاهدة
نشرت فى 22 يونيو 2009 بواسطة blindplus

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

936,455