عند التحاق الكفيف بالجامعة يواجه عدد لا نهائي من التحديات، فكلما تخطى عقبة ظهرت له غيرها، وكلما مرت الأيام والفصول الدراسية في الجامعة كلما ازدادت التحديات أمامه، فلا ينتهي الأمر عند جمع المادة التعليمية والعلمية في الوقت المناسب واستذكارها وحضور المحاضرات وتقديم الأبحاث وتسجيل المحاضرات صوتيا، وغير ذلك، وإنما الفيصل هو الامتحان، فعند الامتحان يكرم المرء أو يهان.
ومن المعروف أن لجان الامتحانات في الجامعة بالنسبة للطلاب المبصرون لا تختلف كثيرا عن لجان امتحانات الثانوية العامة، فلا تخلو من أرقام الجلوس، وورقة الأسئلة، وكراسة الإجابة، وانضباط المواعيد، وغلظة المراقبين والملاحظين، وبؤر الغش المعروفة وما إلى ذلك. أما عن لجان الامتحان عند المكفوفين في الجامعة تعد تجربة فريدة وجديدة من نوعها بالنسبة للطلاب الجدد خاصة ولطلاب الجامعة المكفوفين عامة، فلما كانت مدارس المكفوفين تتبنى طريقة برايل طريقة للقراءة والكتابة، لم يكن غريبا أن يمتحن التلاميذ والطلاب المكفوفون في مدارسهم بنفس الطريقة، فعند امتحاناتهم يستلمون ورقة الأسئلة المطبوعة بطريقة برايل، ويبدأون في الإجابة باستخدام الآلة الكاتبة بالخط البارز، ثم وضع أوراق الإجابة في مظروفها ثم تسليمها للملاحظ مثل أي طالب آخر في أي مدرسة. أما في الجامعة، تغيب طريقة برايل عن كل شيء فيها، فلا تجد كتابا جامعيا بطريقة برايل، ولا امتحانا بطريقة برايل، ولا حتى أساتذة خبراء في التدريس للمكفوفين!
يُمتحن الكفيف في الجامعة بإحدى طريقتين معروفتين:
- تخصيص مرافق لقراءة ورقة الامتحان وكتابة ما يملَى عليه من الطالب الكفيف.
- عقد لجنة خاصة يحضرها أستاذ المادة ليمتحن الكفيف شَفَويا.
وهاتين الطريقتين تمثلان شِقي الرَحا: فإن استعان الكفيف بمرافق يقرأ له ورقة الأسئلة ويملَّى الإجابات، فلا بد وأن يكون المرافق لا يتمتع بدرجة علمية جامعية، فعلى الأكثر يجب أن يكون تعليمه متوسطا أو فوق متوسط! ولكم احتاج كفيف أن يضبط الكلمات بتشكيلها العربي خاصة إن كان من دارسي اللغة العربية، ولم يجد في مرافقه خبرة لكتابة تشكيل الحروف العربية! ولكم احتاج الكفيف لإدراج كلمة إنجليزية في داخل نص الإجابة للاستدلال على أمر ما فلم يجد في مرافقه قدرة على كتابة اللغة الأجنبية! ولكم كان المرافق ضعيف السمع يحتاج لصوت عالٍ لكي يضمن الكفيف كتابة صحيحة! ولكم كانت المرافقة في عجلة من أمرها لتنتهي من اللجنة وتسرع في العودة لمنزلها لاستقبال الضيوف! ولكم تلكأ المرافق في إعادة قراءة الأسئلة للكفيف الممتحن! ولكم تأخر حضور المرافق عن موعد بداية اللجنة، مما يصيب الممتحن بالقلق والتوتر زيادة على رهبة الامتحان! وأما بالنسبة للامتحان الشفوي، فعىل الرغم من تشريف اللجنة بالحضور من قبل أستاذ المادة، إلا أن هذا الأستاذ يحضر وبرأسه الكثير من المشكلات، فيذهب للرد على تساؤلات الطلاب الممتحنون لإيضاح بعض المسائل الملتبسة عليهم، أو يذهب لمدة طويلة من الوقت في بداية اللجنة لقراءة ورقة الأسئلة على كل اللجان المنعقدة، ولا شك في أنه في عجلة من أمره كذلك، فلا يُترك الكفيف يفكر مليا قبل إعلان الإجابة على مسامع أستاذه، وقد يزل لسانه أو تخونه ذاكرته بعض الشيء، وما من شك أن التقدير في هذه الحالة يرجع للأستاذ وحده، فلا توجد ورقة للإجابة ولا يمكن الاستشكال في قدر الدرجات عند ظهور النتائج، وهذا إما أن يضيع حق الكفيف ويتركه فريسة للظلم المعتاد من البشر، أو أن يمنح الكفيف نتيجة لا يستحقها بدافع الشفقة من الأستاذ! لهذا عاش المكفوفون في الجامعة عبر السنوات المنصرمة في ظلم بيّن أو تفرد مكذوب!
أما الآن وقد علت صيحات اتخاذ الحاسبات الآلية بديلا صحيا ونزيها لخوض المكفوفين الامتحان، أضحت بعض الكليات والأقسام في تبني الفكرة وأخذها مأخذ الجد، وإن لم تتبلور الفكرة بعقول منفذيها بصورة مناسبة، ولم تعمم هذه التجربة بعد على رغم نجاحها في بعض الجامعات الحكومية مثل جامعة القاهرة وجامعة عين شمس. ونحن إذ نهيب بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي أن تنظر لهذه الأطروحة بعين الاعتبار، وأن تتم وضع آليات صحيحة تعتمد على كافة الوسائل التقنية الحديثة لتهيئة الجو المناسب للمكفوفين لخوض امتحاناتهم الجامعية.
نشَرها لكم: وائل زكريا
ساحة النقاش