يحتاج المكفوفون أكثر من غيرهم لاستخدام سيارات الأجرة الخاصة (التاكسي) لكي يؤدوا بعض مشاويرهم، فقد تكون المسافة التي يريد الكفيف قطعها مسافة صغيرة وإنما مملوأة بالإشارات المرورية أو العوائق التي تمنعه من مشيها كسائر الناس، فيقف في انتظار من يعينه بأن يوقف له تاكسي، كل وظيفته في الشارع هي إيصال الناس وتقاضي الأجرة المناسبة، وما أن يتوقف التاكسي ويرى الزبون كفيفا حتى يولي مدبرا أو يعتذر وينصرف مسرعا أو يلقي باي كلمة قبيحة وينطلق في طريقه، حتى إن وافق فإنه يعدها من الصدقات! برغم أنه يتقاضى أجرته كاملة! فما الخطب إذن؟

يتلكأ بعض سائقي التاكسي في قبول توصيل شخص كفيف إلى عمله أو إلى بيته أو إلى أي مكان يريد بحجج متنوعة: فمنهم من يرى أن الكفيف لن يؤدي له الأجرة التي يرتضيها! ومنهم من يرتاب في قدرة الكفيف على الإدلاء بالعنوان أو المكان الذي يريد الوصول إليه! ومنهم من يرى أنه سيوصل الكفيف صدقة أو زكاة عن عمله وعن سيارته! ومنهم من يحمل عبء تركيب الكفيف السيارة وعبء تنزيله منها (كأنه قعيد وليس كفيفا فحسب)! ومنهم من يقبل توصيل الكفيف قائلا في نفسه أو معلنا: "ورزقنا ورزقك على الله" وكأنه سيتسول به في الطرقات (مع ما في اللفظ من تفصيل)! ومنهم من إذا رأى كفيفا يعبر الشارع ود لو أنه انطلق نحوه ليصيبه! ومنهم من لو رأى كفيفا يعبر الشارع نزل من سيارته خصيصا ليساعده في عبور الشارع، وقد يوصله بغير انتظار لأجرة! يال هذا المجتمع المتناقض الأحوال!

يحكي لي صديق كفيف أنه نجح في إحدى المرات أن يستوقف تاكسي لينقله من منطقة المهندسين (وبالتحديد من شارع محيي الدين أبو العز) إلى ميدان الجيزة، وبعد أن وافق سائق التاكسي على ذلك ولى المرافق مدبرا وركب صديقي التاكسي، وما هي إلا لحظات حتى طلب السائق من صديقي أن يهبط من السيارة لحظات بدعوى أن "فرامل العربية فيها مشكلة" ومع غرابة الحاجة للنزول من السيارة (لأن إصلاح الفرامل لا يحتاج لنزول ركابها) إلا أن صديقي تصرف بحكمة وأدب جم ونزل من السيارة، وما أن نزل حتى أغلق السائق الباب مردداك "غور في داهية" وانطلق في أقصى سرعة، فظن صديقي الكفيف بأن السائق سيعود ثانية ولم يصدق أذنيه فيما سمع، وظل واقفا في ذهول أكثر من نصف ساعة باحثا عن مرافق جديد يستوقف له تاكسي من جديد.

فلماذا تصرف السائق الأحمق هكذا؟ ولماذا يتصرف سائقي التاكسي عموما بتدني مع الركاب المكفوفون ولو كانوا سادة أقوامهم؟ هل يرجع ذلك للإعلام المفلس الذي يبث ثقافة احتقار الإعاقة؟ أم أن الفطرة تدنست إلى هذا الحد من الابتذال؟ إن مرتبة سيارة الأجرة (التاكسي) بين وسائل النقل العامة كمرتبة ملكات النحل في خلاياها، فإن كان ذلك يحدث من سائقي التاكسي فماذا يحدث إذن من سائقي سيارات الأجرة الجماعية الأخرى؟ أليس أجدر بنا أن نحترم الكفيف شيخا أو مدرسا أو أيا كانت مهنته؟

المصدر: حصري
  • Currently 177/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
59 تصويتات / 802 مشاهدة

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

878,336